الإنفاق الاستهلاكي الأمريكي يتباطأ مجددًا في فبراير وسط تصاعد التضخم
في ضربة مزدوجة للاقتصاد الأمريكي، جاء الإنفاق الاستهلاكي أضعف من التوقعات مرة أخرى في فبراير، بينما ارتفع المقياس الرئيسي للتضخم، وذلك قبل أن تدخل الرسوم الجمركية التي يخطط لها الرئيس دونالد ترامب حيز التنفيذ الكامل.
ارتفع الإنفاق الاستهلاكي المعدل حسب التضخم بنسبة 0.1% فقط، وهو ما يعد من أدنى التقديرات المتوقعة، وذلك بعد تراجع حاد في الناتج عن سوء الأحوال الجوية. اللافت للانتباه أن المستهلكين خفضوا إنفاقهم على الخدمات لأول مرة منذ ثلاث سنوات، بسبب ارتفاع الأسعار، بما في ذلك خدمات تناول الطعام في الخارج.
ارتفاع مؤشر التضخم المفضل لدى الفيدرالي
أظهرت بيانات مكتب التحليل الاقتصادي أن مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي (Core PCE) – الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة – ارتفع بنسبة 0.4% من يناير، وهو أعلى ارتفاع شهري في عام، ليسجل زيادة سنوية تبلغ 2.8%، مما يجعله مستمرًا في تجاوز هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%.
تراجعت الأسهم الأمريكية عند الافتتاح، وانخفضت عوائد سندات الخزانة أيضًا. وما زال المتداولون في الأسواق المالية يتوقعون خفضين في أسعار الفائدة هذا العام، مع ترجيح أول خفض في يوليو.
مخاطر التضخم والركود تلوح في الأفق
تشير هذه البيانات إلى تضخم مستمر في وقت تستعد فيه الأسواق لتداعيات الرسوم الجمركية التي يعتزم ترامب فرضها، والتي قد تضيف مزيدًا من الضغوط السعرية. ومع السياسة التجارية العدوانية لترامب، التي أثّرت سلبًا على ثقة الشركات والمستهلكين، تتزايد المخاوف من دخول الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود تضخمي (Stagflation) أو حتى ركود صريح.
توقعات الاحتياطي الفيدرالي تؤكد هذه المخاوف؛ إذ أشار صناع السياسات إلى تباطؤ النمو وتسارع التضخم في التوقعات الجديدة الصادرة الأسبوع الماضي.
ورغم محاولة رئيس الفيدرالي جيروم باول التقليل من المخاطر باستخدامه مجددًا لمصطلح "مؤقت" لوصف تأثير التضخم الناتج عن الرسوم، عبّر عدد من زملائه في المجلس عن حذر أكبر.
الاحتياطي الفيدرالي ينتظر وضوح سياسة ترامب قبل التحرك
قررت لجنة السياسة النقدية في الفيدرالي الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير إلى أن تتضح الصورة بشأن السياسات المقبلة، لاسيما الرسوم الجمركية التي من المقرر إعلان تفاصيلها الأسبوع المقبل تحت مسمى "يوم التحرير" بحسب ترامب.
ورغم فرض بعض الرسوم على الصين الشهر الماضي، لم تظهر آثار كبيرة على البيانات السعرية بعد، إذ تراجعت مؤشرات أسعار المستهلكين والمنتجين في فبراير.
لكن من المتوقع أن تظهر الآثار الأكبر عبر أسعار السلع، حيث ارتفع مقياس تضخم السلع (باستثناء الغذاء والطاقة) بنسبة 0.4% للشهر الثاني على التوالي، وهو أكبر ارتفاع متتالٍ منذ عام 2022. كما ارتفعت أسعار الخدمات الأساسية (باستثناء الإسكان والطاقة) بوتيرة مماثلة.
المستهلكون يشترون السلع ويتخلون عن بعض الخدمات
في المقابل، ارتفع الإنفاق على السلع في فبراير، مدفوعًا بزيادة الطلب على السلع المعمرة مثل السيارات – وهو ما قد يشير إلى أن بعض المستهلكين يسارعون بالشراء قبل ارتفاع الأسعار المتوقعة بفعل الرسوم. أما على صعيد الخدمات، والتي كانت المحرك الرئيسي للنمو في الإنفاق خلال السنوات الماضية، فقد تراجع الإنفاق على خدمات مثل الطب البيطري ووسائل النقل (كالتاكسي وخدمات الركوب).
اختيار المستهلكين زيادة الإنفاق على السلع التي ستشهد زيادات سعرية قريبًا، على حساب الخدمات التي تعتبر أكثر أهمية اقتصاديًا، يكشف عن نمط تفكير المستهلك الحالي.
كما أن النمو الطفيف في الدخل لا يوحي بأن المستهلك مستعد لتحمل موجة جديدة من الصدمات السعر
المعنويات منخفضة ومؤشرات القلق تتزايد
تراجعت قراءات ثقة المستهلك مؤخرًا إلى أدنى مستوى لها منذ أكثر من عامين، كما ارتفعت التوقعات طويلة الأجل للتضخم إلى أعلى مستوى لها منذ 32 عامًا، بحسب بيانات جامعة ميشيغان الصادرة الجمعة.
من المتوقع أن يؤدي تراجع ثقة المستهلك إلى الضغط على الإنفاق والنمو خلال الفترة المقبلة. ومع بقاء الفيدرالي على الحياد حاليًا، فإنه قد يضطر لخفض الفائدة بوتيرة أسرع وأكبر مما تشير إليه التوقعات الحالية
معدلات الادخار ترتفع ولكن المؤشرات الأخرى سلبية
ارتفعت معدلات الادخار إلى أعلى مستوى لها منذ يونيو، في إشارة إلى حذر المستهلكين بشأن أوضاعهم المالية. كما ظهرت دلائل أخرى على الضغوط المالية، مثل زيادة معدلات التعثر في سداد أقساط السيارات وصعوبة تأمين الأموال للطوارئ.
ولا يساعد تباطؤ سوق العمل في تحسين الوضع، حيث ارتفع الدخل الشخصي الحقيقي المتاح للإنفاق بنسبة 0.1% فقط للشهر الثالث على التوالي، وهو مقياس يستثني المدفوعات الحكومية والخاصة. وأشار مكتب التحليل الاقتصادي إلى أن بعض الزيادات جاءت من تسويات مالية تتعلق بشركة أجهزة طبية وشركة تواصل اجتماعي.
وفي المقابل، سجلت الأجور الاسمية والرواتب بعض الارتفاع.
